top of page
3 – ماذا يقصد بالمقاربة بالكفاءات؟
المقاربة بالكفاءات ونظريات التعلم

المقاربة بالكفاءات ونظريات التعلم

 

يتفق الجميع على أن للمتعلم قدرة أساسية: القدرة على التعلم. لكن تصورات التعلم في الوضعية الدراسية تتباين وتتشعب حسب التوجهات. لعل من أكثر التصورات شهرة تلك التي تعتبر أن اكتساب المعارف والمهارات يتم حسب صيغة خطية وتراكمية.

 

هذا التصور، تُرجم في الأنظمة التربوية تحت اسم «بيداغوجيا الأهداف»، ولا يزال إلى يومنا هذا من بين التصورات الأكثر انتشارا في الأنظمة التربوية. وهو مشتق من النظرية السلوكية. يُعرّف التعلم حسب هذه النظرية (Pavlov ، Watson ، Thorndike ، Skinner) باعتباره تغييرا في سلوك المتعلم بفعل مثير ما، دون اعتبار إرادة المتعلم ونواياه وحوافزه وسيرورته المعرفية التي يتم التوصل من خلالها إلى السلوك الحاصل.

 

تركز بيداغوجيا الأهداف على البعد الكمي للمعارف، مما يؤدي إلى تجزئ المضامين ومهمات التعلمات، فتغيب في الغالب الأعم النظرة الشمولية. في الوقت الذي يعترف فيه الباحثون لبيداغوجيا الأهداف بإسهامها الكبير في تحديد الأهداف التعلمية، ليس من خلال ما يجب أن يقوم به الأستاذ، بل من خلال ما يجب على المتعلم أن يكون قادرا على القيام به انطلاقا من عمل الأستاذ ( هذا هو مفهوم الهدف الإجرائي ) ، فإنهم يركزون كذلك على محدوديتها المتمثلة في تجزيئ التعلمات وافتقادها للمعنى. وفي الوقت الحاضر، لا تقصي المناهج بيداغوجيا الأهداف، ولكن تعتبرها غير كاملة.

لنتوسع الآن في تصورات أخرى للتعلم، تصورات مرتبطة بتوجهات أخرى ساهمت في بلورة المقاربة بالكفاءات.

 

1 - النظريّـــة المعرفيّـــة

 

تعتبر المقاربة المعرفية (  Gagné) ؛ ( Ausubel ) ؛  ( Novak ) ؛ (Tardif)،  أن للعقل البشري قدرة على معالجة المعلومات. وتتعهد هذه المقاربة بدراسة الأنشطة الذهنية التي تعالج المعلومات ونمذجتها، علما أن أنشطة كهذه تفترض تحديد المعلومات وتحويلها وتخزينها واسترجاعها أو ربط بعضها ببعض، أي تعبئة موارد معرفية. إن المعلومات هنا، مهما اختلفت بحسب نوع المهمة المنتظر إنجازها (فهم، تقويم، حل، حساب...)، فإنها تتميز بقاسم مشترك: كلها تستعمل المعلومات الرمزية المخزنة في الذاكرة.

 

خلال حل مشكل ما، يلجأ المتعلمون إلى استراتيجيات مختلفة، وكل منها يقتضي تعبئة الموارد الضرورية. إن أي إفراط في تعبئة المعارف يترتب عنه احتمال الوقوع في الخطأ، الشيء الذي يجعل المتعلم يبحث عن استراتيجيات حل اقتصادية.

 

من بين المقاربات التي تستقي أسسها من هذا التصور للتعلم، يمكن ذكر حل المشكلات والبيداغوجيا الفارقية ومشروع العمل التربوي.

 

2 - النظرية البنائية

يَعتبر هذا التوجه، الذي أرسى دعائمه (Piaget) على الخصوص، أن أي معرفة تُبنى، مثلما يُبنى كل واقع، وأن التعلم هنا يتم تصوره كنتيجة للصراع المعرفي حيث يثير ويشجع سيرورة البناء الذاتي. إن هذه السيرورة تبرز من خلال تطور تدريجي للبنيات المعرفية نحو مستوى منطقي متصاعد يسمح بإدماج معطيات في تركيب متزايد.

على المستوى البيداغوجي، ترى النظرية البنائية أن المتعلم يتعلم وهو في وضعية مواجهة مع تأثيرات قادمة من المحيط، وبفهم معلومات جديدة (الاستيعاب)، وبتغيير منهجيات التفكير على إثر ذلك) تلاؤم.

لقد سمحت النظرية السوسيوبنائية - كما سنبين لاحقا - بإتمام هذه النظرية، وذلك بإضافة التأثيرات الاجتماعية على التعلم.

3 – ماذا يقصد بالمقاربة بالكفاءات؟

 

تجدر الإشارة إلى أن عددا كبيرا من الباحثين خصصوا حقبة من عمرهم وطرفا وافرا من إنتاجهم للإجابة عن هذا السؤال.

نذكر على سبيل التمثيل لا الحصر ( Guy Le Boterf ) و(Jean-Marie De Ketele  ) و ( Bernard Rey   ) و (Xavier Roegiers) و (Philippe Jonnaert  ) و (Philippe Perrenoud ) و (Philippe Meirieu ) و (Marc Romainville ) و (André Guittet )

وغيرهم ممن لم نذكرهم في هذا النص .

 

لتعريف المقاربة بالكفاءات، يمكن القول بأنها مقاربة تمتاز بالحرص على النجاعة أكثر من غيرها من المقاربات وبتكيف أحسن مع التغييرات المتزايدة لمجتمعاتنا، وذلك نظرا لأن تحويل والاستثمار المعارف الدائمة التطور يجعلنا نبحث عن توظيف هذه المعارف بما يضمن فعالية وظيفية وعملية. إن مفهوم التحويل موجود، إما بشكل واضح أو ضمني، في أغلب الكتابات حول المقاربة بالكفاءات، والمراد به تمكين المتعلم من تحويل واستثمار مكتسباته في سياقات مختلفة غير التي اعتادها بالنسبة للتعلمات المجزأة.

 

إن اهتمام هذه الكتابات بتحويل المكتسبات يجعل مختلف الأهداف المقترحة للمقاربة بالكفاءات تحذو نحو وجهة واحدة وموحدة. وفي هذا الصدد، يصرح (Philippe Jonnaert  )  أن «المناظرات العامة حول التربية، والتي نظمت في 1996 ، مكنت من الوقوف على تزايد عدد الشباب الذين انقطعوا عن الدراسة بسبب التعلمات المجردة والمفصولة عن السياق، وعلى هذا الأساس فإن المقاربة بالكفاءات تمثل بديلا بإمكانه إعادة الحيوية للمدرسة

 

إن المقاربة بالكفاءات هي كذلك مقاربة «منهاجية » تتيح للمنظومات التربوية التي تحمل هاجس الإنصاف فرصة تمكين التلاميذ من تنمية كفاءات تؤهلهم ليصبحوا فاعلين في الحياة اليومية، أي أشخاصا قادرين على التصرف بإحكام أمام وضعيات ملموسة وواقعية، وذلك عن طريق تعبئة الموارد المكتسبة في المدرسة أو خارجها.

ولبلوغ الهدف المنشود، فإن على هذه المنظومات أولا أن تحدد في مناهجها الكفاءات المراد تنميتها لدى المتعلمين، وثانيا أن تحدد الموارد المعرفية والإجرائية والسلوكية، التي تعتبر القدرة على تعبئتها شرطا ضروريا للتحكم تدريجيا في الكفايات المحددة.

 

وأخيرا، يجب التأكيد، بعد التمعن وحسن الفهم، على أن المقاربة بالكفاءات هي كذلك مقاربة تتبنى المرونة. فهي لا تقصي النماذج البيداغوجية الأخرى، وليست متنافية مع ممارسات القسم المعتادة، بل يمكن أن تحتضنها وتضمها، لأنها منفتحة على مختلف الطرائق البيداغوجية التي تشكل، بدرجات غير متساوية، إطارا مرجعيا أ لجرأتها.

 

ترتكز المقاربة بالكفاءات على أسس تصورية تختلف عن النموذج التقليدي وعن بيداغوجيا الأهداف التي تم العمل بها ما يزيد عن نصف قرن في بعض الدول. فالمقاربة بالكفاءات تعتبر المعارف مجرد موارد لا بد من تعبئتها، وتستلزم عملا منتظما يتوسل بالوضعية-المشكلة، وتلجأ إلى بيداغوجيا تجعل المتعلم في محور النشاط التعلمي عوض المدرس أو المضامين، وعوض الكتب المدرسية والوسائل الأخرى التي لا تعتبر إلا مجرد أدوات في خدمة العملية التعليمية التعلمية.

 

وتتمحور هذه المقاربة حول بيداغوجيا لبناء الكفاءات، بيداغوجيا تعمل على تزويد المتعلمين بو سائل لتعلم التعلم، وتعلم التصرف حسب الوضعيات، وتطمح إلى إزالة الحواجز بين المواد الدراسية أو على الأقل العمل على التقليص من حدتها. ومن هنا، فإن كثيرا من الباحثين في الديداكتيك يركزون على اعتماد المقاربة بالكفاءات في قطاع التعليم.

بالنسبة للباحث (Jacques Tardif ) : " التغيير المستعجل جدا والواجب اتخاذه يهم خلق منهاج مندمج وإدماجي، يركز على كفاءات تدمج كل واحدة منها عدة معارف متعلقة بالمواد الدراسية. وتمكن الشخص من تعبئة موارد معرفية وسيكو حركية ووجدانية من أجل حل وضعية-مشكلة، ويمكن أن يتم تحويلها وتوظيفها في سياقات أخرى » .

دليـــــــــل المقاربـــــــة بالكفـــــــاءات ـ الجزء 2 ـ

يقدم هذا الدليل إطارا نظريا يمهد لأجرأة فعالة للمقاربة بالكفاءات في المنظومة التربوية الجزائريّة، وذلك في مجالي العملية التعليمية-التعلمية وتكوين الفاعلين التربويين.

ومن خلال عرض هذا الإطار النظري، يبين للمتدخلين التربويين بالجزائر كيف أضحت المقاربة بالكفاءات توجها بيداغوجيا تعتمد عليه الإصلاحات التربوية في عدد كبير من الدول. كما أن تحديد الإطار التصوري لهذه المقاربة يُراد منه، في الوقت نفسه، توضيح المفاهيم الأساس وتوحيد الممارسات التربوية، وذلك بغية الإسهام في تحسين جودة خدمات النظام التربوي.

في الجزء 3  تجدون:

 

 – المقاربة بالكفاءات والنماذج البيداغوجية

دليل المقاربة بالكفاءات     ـ الجزء ـ 1 ـ 

دليل المقاربة بالكفاءات     ـ الجزء ـ 2 ـ

دليل المقاربة بالكفاءات     ـ الجزء ـ 3 ـ

دليل المقاربة بالكفاءات     ـ الجزء ـ 4 ـ

© 2013_ Plateforme de formation cotinue _ منصّة التكوين المستمر . Proudly created with Wix.com

bottom of page